ماريا فينه .. شاعرة سويدية \ ترجمة وتقديم علي ذرب

 (شاعرة سويدية, دنماركية الأصل . أسمها الحقيقي (كارلا باتيرسون وُلدت في الرابع من أبريل عام 1912 في كوبنهاغن وعند بلوغها سن الرابعة تركتها أمها في دار للأيتام حيث هناك كانت تتعرض للضرب والاهانة وشيئا فشيئا انتقلت الى أحد دور الرعاية الاجتماعية لكنها عانت من الشيء ذاته ولم تحظ بالأمان 

نقطة التحول في حياتها والتي غيرت مصيرها الى الأبد حدثت في حزيران من عام 1936 وهي ابنة الرابعة والعشرون عاما , حين كانت تستقل القطار متجهة الى مدينة ( رورفيج ) الواقعة في شرق الدنمارك لقضاء العطلة هناك وفي القطار صادفت الكاتب والمترجم والناقد السويدي (أرتور لوندكفيست) وهو أحد كتاب السويد المهمين وعضو الأكاديمية السويد لجائزة نوبل منذ عام 1968 حتى وفاته في عام 1991 . لم تكن تلك الرحلة في القطار حيث تعرفا على بعضهما وتحدثا, رحلة عابرة بل استمرت العلاقة بينهما من خلال تبادل الرسائل . كان الحب قد نشأ بينهما وعلى اثر ذلك تزوجا في العام نفسه .

بعد ذلك انتقلت الى السويد مع زوجها حيث يقيم في ستوكهولم, وفي تلك المدينة الحية وفي عموم السويد شرعت ماريا بالاطلاع على الحياة الثقافية وقد عاصرت تفاصيلها وبتشجيع والهام ( أرتور) بدأت الكتابة باللغة السويدية وقد اختارت أن يكون اسمها ( ماريا فيني ) وهو خليط من اسمها الثاني واسم عائلة والدتها .

باشرت رحلتها الاحترافية في الشعر خلال الحرب العالمية الثانية بكتاب صدر عام 1943 بعنوان ( الريح من الظلام ) وقد توالت بعد ذلك الكتب وهي عديدة, متجاوزة الثلاثين كتابا شعريا, كما صورت طفولتها المريرة في كتابتها لسريتها الذاتية في كتابين نثريين الأول في عام 1951 بعنوان ( أحدهم أطلق النار على أسد ) والثاني عام 1953 بعنوان ( رقصة العاصفة ) . كما وأنها حصلت على جوائز عدة خلال رحلتها في عالم الكتابة كان اخرها  (اسم البروفيسور أو الأستاذ) عام 2002 وهو لقب لا يمنح الا من الملك نفسه  ويحصل حامله على صفة ( استاذا فخريا ) مدى الحياة ولك أن تتخيل ما يترتب على هكذا لقب وما هذه الترجمة الا اضاءة على تجربة الشاعرة العميقة .

تجربة ماريا فينه في عمومها هي تجربة ذاتية, الحب جوهرها ومواضيع أخرى عدة تختفي وتظهر بين الحين والآخر , أهمها ما هو حسي وما هو قريب من النهاية بمعنى من شارف على الموت بمعناه الوجودي لتمنحه الأبدية في الشعر. السوداوية كذلك متجذرة في نصوصها, الطبيعة وتعقيداتها . شاعرة لا تصارع سوى نفسها وآلامها , نبية في نفسها . أما علاقتها بزوجها ومرضه فكانت مركز كتابتها في السنوات الأخيرة وقد كتبت عن ذلك أيضا في كتاب مذكراتها الصادر عام 1994 .

 توفيت ماريا في الثاني والعشرون من أبريل عام 2003 عن عمر ناهز90 عاما,تاركة لنا حديقة باسمها في سولنا بمقاطعة ستوكهولم وتمثال نصفي بعينين مفتوحتين الى الأبد .



 النصوص



رسالة

 

هل أخبرتكَ من قبل أن الرياح السوداء تهبُّ عبر غابتي, وأن القواقع السوداء والأوراق السوداء تنام فوق قلبي .

هل قلتُ لك بأنني لا أستطيع شق طريقي عبر كتلة الجبال الزرقاء تلك لأصل الى الجهة الأخرى,

حيث أعلم أن هناك ينمو الخشخاش والورود الأكثر حُمرة .

هل قلت لك بأن الفضة في شعري الرمادي قد تحجرت بينما البكاء نفسه

لا يعرف حقا أسباب البكاء .

هل أخبرتك أن تلك الأحصنة التي تصطف في الطريق, كانت ستحملني بعيدا نحو سماء الوضوح,

وأن الأحصنة ذاتها كانت تعتقد اني ثقيلة, ورغم ذلك علّقتُ لآلئ ضحكاتي الطفولية حول أعناقها ومسحت يدايُّ العرق عن ظهورها المرهقة .

هل أخبرتك من قبل, انني كنتُ أودُّ السباحة في المياه النقية, لكنني دائما ما أقابل انسانا يرمي الظلال في مجرى مياهي وقبل أن يحظى بلمسي, كنتُ أحلق .

هل أخبرتك مؤخرا, ان لم تكن هناك مع راياتك ونجومك وواحاتك, سوف تحملني بعيدا أجنحة حالكة, تاركة قلبي فوق سرير من الحلزونات . 

***

أن يخطو المرء

  

اذا دعستَ نملة فإنها سوف تدور لفترة ثم تنال حياة جديدة : حياة المُقعدين .

اذا سحقتَ حجارة, سوف تسحقك الحجارة أيضا

لكن لا الحجارة تعرف ولا الأقدام, أيهما حجر وأيهما أقدام .

وان خطوت فوق الماء, فأنت تحفر قبرك بيديك .

اذا سرت فوق الرمال ستحلق الصحراء بعيدا وستنظر الأعماق بعين الواحة الخضراء .

اذا سحقت كرزة سوف تتدافع عيونها البيضاء خارجة منها

تحت شمس حمراء كالدم .

اذا خطوت فوق بجعة فسوف تنداح البجعة جانبا وتنغرز قدماك

في باطن الأرض .

أما اذا وطئت قدماك وردة سيتحطم جذعها لكنها ستعيش طويلا

وهي تفكر في موتها .

وعندما يسحق المرء امرأة

فإما أن تُجرجر نفسها الى حياة الحجارة الصلبة

أو أنها تصرخ من آلامها بثياب مُريشة .

***

بكاء حبة الليمون

 

ما بين الساعة الرابعة والخامسة

بعد منتصف الليل

عند ( ساعة الروح الأكثر عتمة )

تبكي حبة الليمون

بينما الظلال تنشر أحزانها

وتتردد المظلة بالظهور

الهاوية تُعّمق عمقها المغري

والخطر أكبر من رؤى عرافة شريرة

 

ثمة وجع من حزن

ينتشر ما بين الساعة الرابعة والخامسة

بعد منتصف الليل

لعله الموت الذي يُفجع به المرء مسبقا ؟

الموت الذي لا يُعرف موعد قدومه

لكن القدوم ذاته أكيد

لذلك لا يزال الحصان واقفا

فوق سرير الغسق :

ثابت كما لو أنه تمثال

معتقدا أن كل حركة عنيفة

ستودي به الى مواجهة الشر

قبل الأوان

أو ربما للتضحية باللحظات المقدسة

حينذاك يسلم الضوء نفسه

دون مقاومة للظلام

مُوقنا بأنه سيولد

من جديد

وها أنا أفعل ما يفعله حصان

تعلم من الضوء :

أجلس ما بين الساعة الرابعة والخامسة

بعد منتصف الليل

بلا أية حركة

كما لو أنني لوحة

أجلس حتى تتوقف الليمونة عن البكاء

حتى يتلاشى الحزن

وشيء ما في أعماقي

يطالبني الشروع بالحياة .

  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قطرةُ حبر تتدلى من السماء \ نصوص الشاعر السويدي : لارس فورسيل \ ترجمة عن السويدية علي ذرب

نصوص فكتور يوهانسون .. طائر ينام في مظلة \ ترجمة عن السويدية علي ذرب

نصوص الشاعر السويدي بيتر نيبيرغ / ترجمة عن السويدية علي ذرب